باسم الله الرحمان الرحيم
سوسة 21مارس 2006
أجرى الحوار محمد الفاضل
حوار مع المهندس حمادي الجبالي
القيادي في حركة النهضة
والمدير السابق لجريدة الفجر
على الرغم من أن الرجل لم يمضي على سراحه24يوماً فقد بدا السيد حمادي الجبالي المدير السابق لجريدة الفجر وقيادي الصف الأول لحركة النهضة الإسلامية، بعد الخمسة عشرة سنة التي قضاها في السجن حاضر الذهن متابعاً ومطلعاً على الشؤون الدولية والإقليمية والمحلية ملتزماً خط الاعتدال الذي عهده عليه من عرفه قبل سجنه، لا يزال يؤمن أن المشروع الإسلامي المعاصر مستقبله أفضل من ماضيه و خلال الزيارة التي قمنا بها كان لنا معه حوار، حمل مضمونه من المدلولات في مثل الظرفية السياسية الحالية التي تعيشها البلاد التونسية، أكثر مما حملته تصريحاته التي لم تكن في معظمها، لدى المنشغلين بالشأن التونسي، جديدة عن حركة النهضة. ، وقد بادرناه بعد الاطمئنان عن صحته و أحواله بالسؤال التالي:
سألتني البارحة قناة الحرة: أمام انتصارات الحركات الإسلامية في مصر وفي فلسطين وفي المغرب بكم ستفوزون في انتخابات سنة2009 ؟ قلت لها أن هذا الموضوع لم يحن وقت الحديث فيه بعد، فنحن لدينا الآن قضية أخرى هي قضية الحريات.إذن لم يعد أحد يفكر في عدم منح الحركة الإسلامية حق العمل السياسي وإنما ما أصبح يُـْطرح الآن بصيغ جديدة هو: كيف نروضهم ؟ كيف نتعامل معهم ؟ كيف نحافظ على مصالحنا الاقتصادية ؟ كيف ستكون العلاقة مع إسرائيل ؟ كيف يَـنظر هؤلاء للغرب ؟ إذا كان صعودهم حتمي فعلى الأقل علينا أن نقبل بالتعامل مع المعتدل منهم..فهناك قناعة لدى الدول الغربية في هذا الاتجاه ما عدى فرنسا وإيطاليا أوالضفة اللاتينية من أوروبا والتي كان لها تاريخ صدامي مع العالم الإسلامي، فأظن شخصياً أن النظام الدولي تخلى عن فكرة استئصال الإسلاميين، لصالح السؤال كيف نتعامل معهم في ظل الواقع الراهن؟ وعليه لايمكن للنظام التونسي أن يشذ عن هذا المناخ الجديد.
كما أن الكلام عن التعددية في الحياة السياسية والتداول على السلطة يجب أن يوضح للناس فالقول بالتعددية ليس جديداً عندنا بل هذه المسائل مأصلة في فكرنا وفي الفكر الإسلامي المعتدل فأنا أتصور أن هذا هومستقبل طريق الحركة الإسلامية وقد أوضحت الحركة في مؤتمر لندن أنها حركة سياسية و مدنية وسلمية ولكن اليوم هناك من بين الحركة السلفية أو الجهادية من يلومنا على اختياراتنا هذه، الواقع مهما يكن من أمر لا يمكنني الاعتراض علي إجتهادات مهما كانت أو إدانتها، فلها أن تعمل كغيرها في الساحة فقد يكون لها حججها وأدلتها الشرعية وعلينا أن نعمل نحن أيضاً فنحن لنا اختياراتنا ولا نرى أن حركة النهضة عليها أن تجمع المسلمين جميعهم حولها فللمؤمن بأفكارها ومنهجها يمكنه أن يعمل معها وسنعذر من يخالفنا ولكن الخطر أن يتحول الخلاف إلى تكفير وربما إلى تقاتل، فالمجتمع يسع الجميع ويمكن أن تكون تلك الإجتهادات مع اختلافها عن بعضها البعض مفيدة بكل حال فالمشكل إذاً يكمن في التكفير ومخاطره. فلما لا تنشط جماعة الدعوة والتبليغ مثلاً وغيرها ؟ فما لا تستطيع إنجازه حركة النهضة أوتعجز حتى على إنجازه قد تسهم في إنجازه غيرها.
فمسألة تطبيق الحدود إذن ليست مطلقة وهي مرتبطة بشروط تقيد تطبيقها والمؤسف أن تطبيق الحدود الآن في وضعية غير سليمة، ففي العربية السعودية وحدهم الفقراء الذين يقام عليهم الحد بينما يتقاسم بضعة ألاف من أمراء العائلة المالكة خيرات البلاد جميعها.والوضع ذاته جرى مع الطالبان في أفغانستان وحتى الجبهة الإسلامية للإنقاذ أول صعودها كانت تحرص أن يزيد طول البنطلون القصير إن لزم لبسه إلى ما تحت الركب...فهذه النظرة الضيقة لتطبيق الشريعة أضرت بنا حقيقة وهي تنم عن عدم فهم لما توجبه فكرة الحدود من ضرورة توفر مناخ راقي من العدالة الاجتماعية أولاً.
(*) بـوكاسة: هو اللقب الذي يُـكنى به عبد الرحمان القاسمي، أحد أشهر الجلادين في الأجهزة الأمنية التونسية، والمعروف لدى الإسلاميين بشراسته خلال التعذيب وهو أيضاً من بين أكثر شخصيات تلك الأجهزة قرباً لبن علي نفسه.
- بعد خمسة عشر عاما قضيتموها في السجن، كيف تقرؤون الآن مستقبل الحركة الإسلامية في الأفق السياسي التونسي الراهن ؟
سألتني البارحة قناة الحرة: أمام انتصارات الحركات الإسلامية في مصر وفي فلسطين وفي المغرب بكم ستفوزون في انتخابات سنة2009 ؟ قلت لها أن هذا الموضوع لم يحن وقت الحديث فيه بعد، فنحن لدينا الآن قضية أخرى هي قضية الحريات.إذن لم يعد أحد يفكر في عدم منح الحركة الإسلامية حق العمل السياسي وإنما ما أصبح يُـْطرح الآن بصيغ جديدة هو: كيف نروضهم ؟ كيف نتعامل معهم ؟ كيف نحافظ على مصالحنا الاقتصادية ؟ كيف ستكون العلاقة مع إسرائيل ؟ كيف يَـنظر هؤلاء للغرب ؟ إذا كان صعودهم حتمي فعلى الأقل علينا أن نقبل بالتعامل مع المعتدل منهم..فهناك قناعة لدى الدول الغربية في هذا الاتجاه ما عدى فرنسا وإيطاليا أوالضفة اللاتينية من أوروبا والتي كان لها تاريخ صدامي مع العالم الإسلامي، فأظن شخصياً أن النظام الدولي تخلى عن فكرة استئصال الإسلاميين، لصالح السؤال كيف نتعامل معهم في ظل الواقع الراهن؟ وعليه لايمكن للنظام التونسي أن يشذ عن هذا المناخ الجديد.
- هذا على النطاق الدولي أما على النطاق المحلي فيبدو أن الحالة التونسية حالة استثنائية وهذا يعني أن النظام التونسي الذي قاد حملة لإستئصال الحركة الإسلامية وتجفيف ينابيعها قد لا يتراجع عن نهجه و يسمح بعودة الإسلاميين مجدداً، وأن أزماته التي يعانيها الآن قد تستنسخ منه جيلا جديدا لنظام سبعة نوفمبر جديد، يصوغ تحالفاً جديداً مع المعارضة ليقطع على الحركة الإسلامية طريق العودة وربما أيضاً ليعد لاحقاً دورة جديدة من الاعتقالات ؟
- النتيجة التي إنتهى إليها تاريخ البلاد هو أن ضرب حركةالنهضة اقتضى شن أكبر حملة أمنية منذ1956 وانبرى النظام على إثرها يخوض حرب استنزاف قصوى على المجتمع التونسي، فاستئصال الحركة الإسلامية إحتاج إلى ضرب مكونات المجتمع التونسي العريقة ومكاسبه المدنية وقواه الحية والاعتداء على قوانينه الناظمة و إنتهاك دستوره المؤسس وتعطيل مؤسساته الفاعلة.فإذا كان ضرب الحركة الإسلامية والسعي وراء استئصالها قد كلف المجتمع التونسي كل هذه الخسائر ،فماذا يمكن للحركة الإسلامية في حال عودتها مستقبلاً أن ترشح نفسها لتقديمه للمجتمع التونسي سواء من أجل إصلاح ما أفسده النظام في حياة التونسيين ومجتمعهم أوما يمكن أن تقدمه الحركة من نماذج مجتمعية جديدة تخرجهم عن الصورة النمطية التي رسخها إعلام السلطة عنهم وخصومها على حد سواء ؟
- وهذا ما يشجعنا على القول لو أن الحركة الإسلامية دفعت للسجون من أجل قضايا حقوق الإنسان والحركة المجتمعية ما دفعته من أبنائها مقابل خياراتها السياسة الظرفية، كانت كسبت رسوخ قدمها في المجتمع التونسي وبنت تحالفات سيكون من الصعب على النظام التونسي بعدها أن يعزلها أو يستأصلها.
كما أن الكلام عن التعددية في الحياة السياسية والتداول على السلطة يجب أن يوضح للناس فالقول بالتعددية ليس جديداً عندنا بل هذه المسائل مأصلة في فكرنا وفي الفكر الإسلامي المعتدل فأنا أتصور أن هذا هومستقبل طريق الحركة الإسلامية وقد أوضحت الحركة في مؤتمر لندن أنها حركة سياسية و مدنية وسلمية ولكن اليوم هناك من بين الحركة السلفية أو الجهادية من يلومنا على اختياراتنا هذه، الواقع مهما يكن من أمر لا يمكنني الاعتراض علي إجتهادات مهما كانت أو إدانتها، فلها أن تعمل كغيرها في الساحة فقد يكون لها حججها وأدلتها الشرعية وعلينا أن نعمل نحن أيضاً فنحن لنا اختياراتنا ولا نرى أن حركة النهضة عليها أن تجمع المسلمين جميعهم حولها فللمؤمن بأفكارها ومنهجها يمكنه أن يعمل معها وسنعذر من يخالفنا ولكن الخطر أن يتحول الخلاف إلى تكفير وربما إلى تقاتل، فالمجتمع يسع الجميع ويمكن أن تكون تلك الإجتهادات مع اختلافها عن بعضها البعض مفيدة بكل حال فالمشكل إذاً يكمن في التكفير ومخاطره. فلما لا تنشط جماعة الدعوة والتبليغ مثلاً وغيرها ؟ فما لا تستطيع إنجازه حركة النهضة أوتعجز حتى على إنجازه قد تسهم في إنجازه غيرها.
- فكر التعددية السياسية وحقوق الإنسان وقيم الحرية كما أسلفتم ليس جديداً في خطاب الحركة لكن هناك من لايزال يتمسك بالتشكيك في جدية ما تطرحون لكون سقف الحقوق الذي بإمكانكم أن تشتغلوا عليه منخفض ودون سقوف الحقوق التي يناد بها غيركم.ولأكون أكثر دقة فحقوق الإنسان التي يتحدث عنها الآخرون تتعلق بالحريات الفردية أيضاً وحقوق المرأة بما فيها من حقها في الزواج بالأجنبي وفي ملكية جسدها و المساوة في المراث، فمن هذه الناحية وأنتم تتحدثون عن حقوق الإنسان يبدو سقفكم منخفض جداً برأي خصومكم.
- هذا ما يتعلق بمستوى البحث في مسألة حقوق الإنسان في خطاب الإسلاميين والمتعلق بسقفها عندكم ولكن من ناحية أخرى يجد غيركم في بعض المشاريع التي يحملها خطابكم ما يشرع بصورة ما انتهاكات لايقرها اليوم، الميثاق العالمي لحقوق الإنسان من مثل الحدود الشرعية في حال السرقة والزنى ونحوهما، ومن ثم فحتى في حال التعامل بحسن الظن مع خطاب الحريات في حركتكم، تبقى هذه الموضوعة في خطابكم، كما يرى خصومكم جزءاً من مناوراتكم السياسية التي تقتضيها مرحلة أنتم فيها اليوم مستضعفون.
فمسألة تطبيق الحدود إذن ليست مطلقة وهي مرتبطة بشروط تقيد تطبيقها والمؤسف أن تطبيق الحدود الآن في وضعية غير سليمة، ففي العربية السعودية وحدهم الفقراء الذين يقام عليهم الحد بينما يتقاسم بضعة ألاف من أمراء العائلة المالكة خيرات البلاد جميعها.والوضع ذاته جرى مع الطالبان في أفغانستان وحتى الجبهة الإسلامية للإنقاذ أول صعودها كانت تحرص أن يزيد طول البنطلون القصير إن لزم لبسه إلى ما تحت الركب...فهذه النظرة الضيقة لتطبيق الشريعة أضرت بنا حقيقة وهي تنم عن عدم فهم لما توجبه فكرة الحدود من ضرورة توفر مناخ راقي من العدالة الاجتماعية أولاً.
- مع أنكم قبلتم باللعبة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة كما عبرت أدبيات الحركة وتصريحات قياداتها منذ1981 إلا أن كثيرون لا يزالون يشككون في صدق نواياكم وأنه بمجرد وصولكم للسلطة في يوم لن تسمحوا بها لغيركم في أي يوم.
- السيد حمادي الجبالي نشكركم على سعة صدركم ونسأل الله لكم التوفيق ولإخوانكم السراح العاجل من السجون و للمغتربين منهم العودة القريبة من الشتات.
(*) بـوكاسة: هو اللقب الذي يُـكنى به عبد الرحمان القاسمي، أحد أشهر الجلادين في الأجهزة الأمنية التونسية، والمعروف لدى الإسلاميين بشراسته خلال التعذيب وهو أيضاً من بين أكثر شخصيات تلك الأجهزة قرباً لبن علي نفسه.