1 | 2 | 3
القسم الأول
باسم الله الرحمان الرحيم
أجرى الحوار: محمد الفاضل
حين يعلن البروفيسور منصف بن سالم الدخول في إضراب عن الطعام فإنه يكون قد أعلن الخروج عن صمته و أعلنت معه الحكمة متضامنةً خروجها عن عقال الأكاديميات، ليضعك، أنت الذي يحجب عنك مكر الاستبداد في تونس، ما لوإنكشف كان لك أبلغ من خطب السياسيين وتقارير خبراء السياسة، و حين تباغتُ، أنت الذي تنتمي إلى الألفية الثالثة بمفارقات الحداثة المغشوشة، و تضع نفسها، دولة المؤسسات والقانون أوهكذا يقال، في مواجهة رجل علم بقامة البروفسور بن سالم، وحين تتحالف الأنتليجنسيا الرثة التي ابتليت بها البلاد مع أنظمة الاستبداد السياسي في تونس لضرب هويتك تحت ألوية مكافحة فكر قيل عنه دونما إنصاف أنه متطرف، حين تـُحشَد كل تلك التحالفات ضد رجل العقلانية العلمية في تونس. فإن هكذا مواجهة ستضعك دفعة واحدة أمام الحقائق التونسية الأربعة: محنة المستضعفين، محنة المعرفة، محنة السياسة ومحنة الدين.
وتحضرني الآن كلمة وزير الصناعة الإسرائيلي و هو من حزب كاديما المنشق عن حزب اللكود يرد على سؤال وجه له:فيما لو فاجأكم حزب اللكود بالانتصار في الانتخابات ؟ فأجاب: أن اللكود لن ينتصر حتى ولوكان على رأسه الرئيس التونسي زين العابدين بن علي...!وفي البرلمان الأوروبي أيضا طرح سؤال عما إذا كانت إنتخابات أكرانيا قد وقعت فيها خرقات؟ فقال نعم وقعت خرقات كبيرة إلى حد يمكنني أن أصفها بانتخابات تونس أو كوبا أو كوريا الشمالية. لقد أصبح العالم يتندر بتونس بسبب حجم الانتهاكات الحقوقية.
فالتدخلات لدى أعلى هرم في السلطة وردود الفعل عن تلك التدخلات يُـفسَر عندي بتشنج رأس النظام بالذات لما يتعلق الأمر بشخصي.فوزير التعليم العالي سابقاً العالم الكبير في الرياضيات (laurent Schwartz)جاء إلى تونس والتقى برئيس الدولة فوعده أن يسوي وضعيتي بصورة نهائية فقام هذا الوزير بتسميتي بجامعة:
(Pierre et marie curie) بباريس 6 لكن لم يحدث من تلك الوعود شيئاً وقد حدثني الوزير بعد ذلك قائلاً: لأول مرة أتلقى وعوداً من أعلى مسؤول في دولة ثم يتم التراجع عنه.
ثم الشخصية البارزة البروفسور محمد عبد السلام الحائز على جائزة نوبل والذي كان من وراء صناعة القنبلة النووية الباكستانية، يأتي مرتين إلى تونس ويتلقى وعود بحل مشكلتي لكن لا يتم الوفاء بتلك الوعود.
و يتدخل الأمير عبد الله أيضاً ولي العهد السعودي حينها ويقوم بتسميتي أستاذ بجامعة الرياض ويطلب من السلطة التونسية أن يفسحوا لي طريق السفر وقد ذهبت إثرها إلى سفارة السعودية واستلمت إستمارة التعيين والعلاوات وغيرها وأوراق السفر على أساس أن موعد سفري قد تعين حينها ليوم الأربعاء وأعلمتهم أنه ليس لي و لا لعائلتي جوازات سفر فقالوا لي أن هذا أمر بسيط، فخلال ساعة ستكون الجوازات في حوزتك لكن لم يحدث من وقتها أي شيء.
ورغم هذه التدخلات الثقيلة لم تحل مشكلتي والرئيس ذاته بعث إلي مستشاره ووعدني بأن يحل مشكلتي في أقرب وقت لكن لم يحدث شيء.والواقع انه لايمكنني أن أفسر هذا السلوك المغالي تجاهي إلا لكوني والحمد لله نظيف وليس للنظام علي أي مَمْسك سياسي يآخذني عليه، فالنظام يعلم أني لم أتراجع ولن أتراجع عن كلمة الحق وقد كان ينتظر مني أن أضعف أمام الإغراء المادي.
ففي سنة1994 منعني النظام من حضور مرض والدتي، وهي مقيمة على مسافة 50كلمتر من محل سكناي كانت والدتي حينها على فراش الموت وكنت في المنزل تحت الإقامة الجبرية وكانوا قد اشترطوا علي للذهاب لزيارتها أن أهتف فقط قبل مغادرة المنزل إلي رئيس مركز الشرطة بمنطقة سكناي لأستأذنه في الذهاب، قلت أبداً، لن أرضخ لهذه الأوامر، إما أن أذهب إلى والدتي بكل حرية وإلا فأنا باق بالمنزل، وبلغت أمي ساعاتها الأخيرة من الحياة فهتف إلي المحافظ ليبلغني أن والدتي قد ماتت وأنه علي فقط أن أبلغهم حال ذهابي قلت أبداً لن يحدث هذا، توفيت والدتي ودفنت ولم أحضر جنازتها، ولعلمك فطيلة حياتي لم أوقع للنظام أو للسلطة على أي شيء.فإن كنت على حق فلماذا أوقع لهم أوأستأذن منهم والإقامة الجبرية المضروبة علي ليست قانونية فلم يصدر في حقي حكم بهذا وإنما هم يمارسونها علي بقرار من الشرطة ودون أساس قانوني.ربما أدرك النظام أنني إذا كنت قد ضحيتُ برؤية والدتي في ساعاتها الأخيرة من أجل حريتي، فلن يكون له معي بعدَها حوار يرجى.
في إحدى أيام السجن كانت لي زيارة من زوجتي..فمازحت الحارس بالقول: لما لا تتركوني أغادر مع زوجتي؟ وكان مدير السجن على مقربة مني وسمع حديثي هذا، فأسرع إلي قائلاً: والله ستعود إلى منزلك حالاً لو كتبت فقط رسالة إلى سيادة الرئيس، قلت: والله لن يكون هذا، فلو خدرتموني ثم حملتموني على التوقيع وأنا على تلك الحالة فسأقطع يدي حالما أستفيق.
عندما بعث من إسرائيل 400 من كبار العلماء في العالم منهم الحائزين على جائزة نوبل للسلام بإمضاءاتهم مطالبين بإطلاق سراحي، أحالوا الخبر إلى جريدة الشروق لتنشر مقالا طويلاً يثير التساؤلات حول علاقة المنصف بن سالم بإسرائيل...!
يتبعأجرى الحوار: محمد الفاضل
حين يعلن البروفيسور منصف بن سالم الدخول في إضراب عن الطعام فإنه يكون قد أعلن الخروج عن صمته و أعلنت معه الحكمة متضامنةً خروجها عن عقال الأكاديميات، ليضعك، أنت الذي يحجب عنك مكر الاستبداد في تونس، ما لوإنكشف كان لك أبلغ من خطب السياسيين وتقارير خبراء السياسة، و حين تباغتُ، أنت الذي تنتمي إلى الألفية الثالثة بمفارقات الحداثة المغشوشة، و تضع نفسها، دولة المؤسسات والقانون أوهكذا يقال، في مواجهة رجل علم بقامة البروفسور بن سالم، وحين تتحالف الأنتليجنسيا الرثة التي ابتليت بها البلاد مع أنظمة الاستبداد السياسي في تونس لضرب هويتك تحت ألوية مكافحة فكر قيل عنه دونما إنصاف أنه متطرف، حين تـُحشَد كل تلك التحالفات ضد رجل العقلانية العلمية في تونس. فإن هكذا مواجهة ستضعك دفعة واحدة أمام الحقائق التونسية الأربعة: محنة المستضعفين، محنة المعرفة، محنة السياسة ومحنة الدين.
- مع كل حدث تجري فيها انتهاكات بالغة الأهمية لحقوق الإنسان في تونس تقوم كعادتها السلطات التونسية بحجبها عن وسائل الإعلام قدر ما تستطيع وتغري أو تحاول أن تضغط على وسائل الإعلام لحجب حقيقة تلك الأحداث عن التونسيين وعن الرأي العام العالمي، فكيف تعامل الإعلام مع قضيتكم؟
وتحضرني الآن كلمة وزير الصناعة الإسرائيلي و هو من حزب كاديما المنشق عن حزب اللكود يرد على سؤال وجه له:فيما لو فاجأكم حزب اللكود بالانتصار في الانتخابات ؟ فأجاب: أن اللكود لن ينتصر حتى ولوكان على رأسه الرئيس التونسي زين العابدين بن علي...!وفي البرلمان الأوروبي أيضا طرح سؤال عما إذا كانت إنتخابات أكرانيا قد وقعت فيها خرقات؟ فقال نعم وقعت خرقات كبيرة إلى حد يمكنني أن أصفها بانتخابات تونس أو كوبا أو كوريا الشمالية. لقد أصبح العالم يتندر بتونس بسبب حجم الانتهاكات الحقوقية.
- أنتم دُعيتم من قبل قناة العربية لتُـجري مع سيادتكم حديثاً لكن لم يتم ذلك، فماذا حدث بالضبط؟.
- نريد أن نفهم، تدخلات السلطات التونسية هذه لدى وسائل الإعلام والفضائيات كانت تحد ث دائماً من أجل حجب الحقيقة، لكن حين يحدث هذا بصورة متكررة مع شخصكم، هل يمكن أن يكون لهذا السلوك من مدلولات جديدة ؟
- حين يتعلق الأمر بالحجب عن الأستاذ الدكتور منصف بن سالم فإن الأمر قد يختلف عن الحجب عن شخصيات وطنية أخرى، فمثلاً السادة نجيب الشابي وحمة الهمامي ومحمد النوري ولطفي الحجي...وغيرهم من رموز18 أكتوبر، و الجميع مقاماتهم عندنا محفوظة، زارهم السفير الأمريكي وسفراء أخرون و زارتهم شخصيات دبلوماسية وشخصيات بقامات دولية، ولم يتم منع أحد دون الوصول إليهم، لكن أن يتم تحويل وجهة وفد الكنغرس الأمريكي ثلاث مرات و كان قد عزم الوفد كل مرة على زيارتكم والإطلاع على أحوالكم في إقامتكم الجبرية، هذا يجعل أن المسألة مع شخصكم تعني بالنسبة للسلطات التونسية أكثر من معنى وربما أكثر من المعنى السياسي ذاته، فهل لكم أن تفسروا لنا ذلك؟
فالتدخلات لدى أعلى هرم في السلطة وردود الفعل عن تلك التدخلات يُـفسَر عندي بتشنج رأس النظام بالذات لما يتعلق الأمر بشخصي.فوزير التعليم العالي سابقاً العالم الكبير في الرياضيات (laurent Schwartz)جاء إلى تونس والتقى برئيس الدولة فوعده أن يسوي وضعيتي بصورة نهائية فقام هذا الوزير بتسميتي بجامعة:
(Pierre et marie curie) بباريس 6 لكن لم يحدث من تلك الوعود شيئاً وقد حدثني الوزير بعد ذلك قائلاً: لأول مرة أتلقى وعوداً من أعلى مسؤول في دولة ثم يتم التراجع عنه.
ثم الشخصية البارزة البروفسور محمد عبد السلام الحائز على جائزة نوبل والذي كان من وراء صناعة القنبلة النووية الباكستانية، يأتي مرتين إلى تونس ويتلقى وعود بحل مشكلتي لكن لا يتم الوفاء بتلك الوعود.
و يتدخل الأمير عبد الله أيضاً ولي العهد السعودي حينها ويقوم بتسميتي أستاذ بجامعة الرياض ويطلب من السلطة التونسية أن يفسحوا لي طريق السفر وقد ذهبت إثرها إلى سفارة السعودية واستلمت إستمارة التعيين والعلاوات وغيرها وأوراق السفر على أساس أن موعد سفري قد تعين حينها ليوم الأربعاء وأعلمتهم أنه ليس لي و لا لعائلتي جوازات سفر فقالوا لي أن هذا أمر بسيط، فخلال ساعة ستكون الجوازات في حوزتك لكن لم يحدث من وقتها أي شيء.
ورغم هذه التدخلات الثقيلة لم تحل مشكلتي والرئيس ذاته بعث إلي مستشاره ووعدني بأن يحل مشكلتي في أقرب وقت لكن لم يحدث شيء.والواقع انه لايمكنني أن أفسر هذا السلوك المغالي تجاهي إلا لكوني والحمد لله نظيف وليس للنظام علي أي مَمْسك سياسي يآخذني عليه، فالنظام يعلم أني لم أتراجع ولن أتراجع عن كلمة الحق وقد كان ينتظر مني أن أضعف أمام الإغراء المادي.
ففي سنة1994 منعني النظام من حضور مرض والدتي، وهي مقيمة على مسافة 50كلمتر من محل سكناي كانت والدتي حينها على فراش الموت وكنت في المنزل تحت الإقامة الجبرية وكانوا قد اشترطوا علي للذهاب لزيارتها أن أهتف فقط قبل مغادرة المنزل إلي رئيس مركز الشرطة بمنطقة سكناي لأستأذنه في الذهاب، قلت أبداً، لن أرضخ لهذه الأوامر، إما أن أذهب إلى والدتي بكل حرية وإلا فأنا باق بالمنزل، وبلغت أمي ساعاتها الأخيرة من الحياة فهتف إلي المحافظ ليبلغني أن والدتي قد ماتت وأنه علي فقط أن أبلغهم حال ذهابي قلت أبداً لن يحدث هذا، توفيت والدتي ودفنت ولم أحضر جنازتها، ولعلمك فطيلة حياتي لم أوقع للنظام أو للسلطة على أي شيء.فإن كنت على حق فلماذا أوقع لهم أوأستأذن منهم والإقامة الجبرية المضروبة علي ليست قانونية فلم يصدر في حقي حكم بهذا وإنما هم يمارسونها علي بقرار من الشرطة ودون أساس قانوني.ربما أدرك النظام أنني إذا كنت قد ضحيتُ برؤية والدتي في ساعاتها الأخيرة من أجل حريتي، فلن يكون له معي بعدَها حوار يرجى.
في إحدى أيام السجن كانت لي زيارة من زوجتي..فمازحت الحارس بالقول: لما لا تتركوني أغادر مع زوجتي؟ وكان مدير السجن على مقربة مني وسمع حديثي هذا، فأسرع إلي قائلاً: والله ستعود إلى منزلك حالاً لو كتبت فقط رسالة إلى سيادة الرئيس، قلت: والله لن يكون هذا، فلو خدرتموني ثم حملتموني على التوقيع وأنا على تلك الحالة فسأقطع يدي حالما أستفيق.
- ماذا يمكن أن نفهم من معاملة بهذا الشكل في حقك من قبل جهات مسؤولة عرفت بمحدوديتها المعرفية والعلمية ؟
عندما بعث من إسرائيل 400 من كبار العلماء في العالم منهم الحائزين على جائزة نوبل للسلام بإمضاءاتهم مطالبين بإطلاق سراحي، أحالوا الخبر إلى جريدة الشروق لتنشر مقالا طويلاً يثير التساؤلات حول علاقة المنصف بن سالم بإسرائيل...!